9# – 101 أسطورة توراتية (الجزء الرابع): الأساطير التوراتية والحقيقة وراء كلُ واحدٌ منها

ملخص فى ثوانٍ: الأجزاء الثلاثة لكتاب “101 أسطورة توراتية”، عرض بعض الأساطير المعروفة والحقيقة وراء كلُ أسطورة منها1

قسّمْ جاري غرينبرغ، مؤلف “101 أسطورة توراتية”، كتابه إلى ثلاثة أجزاء: أساطير الخلق، وأساطير آباء إسرائيل، وأساطير الأبطال.

 الجزء الأول: أساطير الخلق (الأساطير من رقم 1 وحتى رقم 44)

 تروي الفصول الإحدى عشرة الأولى من سفر التكوين في الكتاب المقدس تاريخ العالم من وقت الخلق إلى عواقب الطوفان الكبير. ويحتوى هذا الجزء على قصص عديده مثل: قصة خلق العالم فى سبعة أيام، و قصة آدم وحواء وجنة عَدّن، و قصة قابيل وهابيل، وقصة نوح والطوفان، و قصص تأسيس الدول الأولى. يقدم سفر التكوين وجهة نظر فريدة حول تطور الكتاب المقدس، و تحوله من مجموعة من الأساطير الوثنية المأخوذه من ثقافات متنوعة إلى كتابٌ ذو هوية واحدة تتناول تاريخ الإسرائيليين بشكل رئيسي.

ترجع قصص وأساطير سفر التكوين الى الوثائق الموجوده فى مصدرين من مصادر التوراة، وهما: مصدر الياء ومصدر الكاف2، ويقدم كلٌّ منهما آراءً مختلفة حول الأحداث والآلهه. ومن المثير للاهتمام، أن هذه المصادر تطورت من تقاليد اثنين من الأساطير المصرية المتميزة. الكُتّاب العبريون، استنادًا إلى معرفتهم المكتسبة في مصر والأساطير السائدة في كنعان، قاموا بإعادة تفسير هذه الأساطير المصرية للتتناسب مع المعتقدات التوحيدية لهوية الإسرائيليين، وذلك بشكل يتناقض مع تعدد الآلهه الوثنية في الأساطير المصرية. وبشكلٍ آخر، قام كُتاب سفر التكوين بتفكيك القصص الوثينة المصرية القديمة وإعادة كتابتها بشكل يعكس وجهة نظرهم الدينية التوحيدية.

الأساطير المصرية الأصلية كانت وثنية وقدمت رؤى توضح طبيعة الكون وتطوره إلى الحالة التى هو عليها الآن. شرحت هذه الأساطير ظواهر مثل: الفيضان السنوي لنهر النيل وحركة الشمس، سواءٌ يوميًا أم سنويًا. كانت العلاقة الوثيقة بين الفيضان السنوي لنهر النيل والسنة الشمسية، ترمز إلى الولادة والقيامة والخلود، وأثرت هذه المعتقدات الوثينة فى كتاب سفر التكوين.

في الختام، توضح أساطير سفر التكوين كيف مزج الكتاب العبريون عناصر ثقافية متنوعة من الأساطير الوثنية القديمة مع معتقداتهم ذات الهوية التوحيدية، مما أسفر عن كتابٌ متميز ومثيرٌ للتأمل يوضح للقارئ أصل العالم وكيفيه نشأته.

الجزء الثاني: أساطير المؤسسين (الأساطير من رقم 45 وحتى رقم 71)

عُرف إبراهيم وابنه إسحاق، وابن إسحاق يعقوب، بإسم الآباء المؤسسين لإسرائيل القديمة. يعقوب، والذي أُطلق عليه اسم إسرائيل في وقت لاحق، كان لديه اثنا عشر ابنًا، بما في ذلك يوسف ويهوذا. وهم من أسسوا قبائل أسرائيل الإحدى عشر.

بدأت القصة حين أمر الله إبراهيم بمغادرة مدينة “أور الكلدانيه” في بلاد ما بين النهرين والإنتقال إلى أرض كنعان.

يهدف هذا الجزء من كتاب جارى جرينبرج إلى تتبع العهد الذي تم تمريره من يعقوب إلى يوسف، ثم من يوسف إلى ابنه إفرايم. وفي مباركة يعقوب، هناك إشاره إلى أن العهد قد تم تمريره إلى يهوذا، مما يبرر الصدام الذى حدث فيما بعد بين مملكة إسرائيل (بقيادة إفرايم) ومملكة يهوذا، مما أثر بشكل كبير على تاريخ الآباء المؤسسين.

فى الماضى أعتقد دارسى التوراة أن الآباء المؤسسين كانوا شخصيات تاريخية أختلطت بالأساطير الموجوده فى سفر التكوين، أما فى الوقت الحاضر فإن بعض العلماء يعتقدوا بأن قصص الآباء المؤسسين تفتقر إلى وجود أساس تاريخي.

الجزء الثالث: أساطير الأبطال(الأساطير من رقم 72 وحتى رقم 101)

بعد مرور سنوات على وفاة يوسف، لاحظ الفرعون المصري الجديد، والذي لم يكن على دراية بقصة يوسف، نمو عدد الإسرائيليين الموجودين فى مصر. وفي محاولة منه للسيطرة على أعدادهم، فرض عليهم شروطًا قاسية، تبعها بسياسة قتل الذكور من أطفالهم. وفي محاولة منها لإنقاذ إبنها الرضيع، قامت امرأة عبرانية تدعى يوكابد، بوضع إبنها فى سلة وتركته فى النيل.  هذا الطفل سُمىّ فيما بعد بموسى، ونشاء حتى بلغ سن الرشد في البلاط الملكي المصرى. وفي أحد الأيام، تورط في خلاف مع أحد رجال البلاط المصرى، وأدى هذا الخلاف لقتل موسى للمصرى.  وعندما أدرك موسى أن الناس يعلمون بما فعله، فر هاربًا من البلاد.

وفيما بعد عاد موسى إلى مصر ونجح، بمساعدة أخيه هارون، في إقناع الفرعون بالسماح للعبرانيين بالرحيل عن مصر. وتبع ذلك حدوث سلسلة من الأوبئة والكوارث نتيجه لنقض فرعون لإتفاقه مع العبرانيين. وأخيرًا سمح الفرعون للعبرانيين بالرحيل. وأثناء رحيلهم نحو كنعان، واجهوا تحديات جديدة. خلال تلك الفترة، شارك موسى فى سن قوانين هامة، بما في ذلك الوصايا العشر. وقام بعمل معجزة شق البحر مما سمح للعبرانيين بالهروب من المصريين المتابعين لهم. ولعب موسى دورًا حاسمًا في قيادته لشعبه فى رحلتة نحو أرض الميعاد، وتأسيسهم لأمة جديدة.

وفيما بعد إنقسمت مملكة إسرائيل إلى جزئين: إسرائيل في الشمال ويهوذا في الجنوب. وفي عام 722 ق.م.، احتل الآشوريون المملكة الشمالية، ولم تعد إسرائيل للوجود مرة أخرى. أما يهوذا فقد إستمرت حتى احتلتها البابليون في عام 587 ق.م.، مما أدى إلى نفي النخبة العبرية إلى بابل. 

1. أمثلة على الطريقة التى عرض بها جارى جرينبيرج بعض الأساطير المذكورة فى كتابه “101 أسطورة توراتية”

الأسطورة رقم 14 “وخلق الرب الأرض فى اليوم الثالث”

الأسطورة: “ودعا الله اليابسة أرضاً، ومجتمع المياه دعاهُ بحاراً. ورأى الله ذلك أنه حسنّ…..وكان مساءٌ وكان صباحٌ يوماً ثالثاً. (تكوين 10:1، 13)

الواقع: جمع الرب المياه وخلق اليابسة فى اليوم الثالث من أيام الخلق.  

في قصة الخلق الكتابية التي وردت في سفر التكوين، هناك تناقض في تسلسل الأحداث في اليوم الثالث. تشير الأسطورة إلى أن الله خلق الأرض اليابسة في اليوم الثالث ورأى أنها كانت جيدة. ومع ذلك، يكشف فحص أدق أنه وفقًا للسرد الأصلي في سفر التكوين، حدث هذا الإنشاء للأرض اليابسة في اليوم الثاني.

أسلوب السرد فى الكتاب المقدس غالبًا مايستخدم صيغًا أدبية، مثل عبارة “و رأى الله ذلك أنه حسنّ”، للدلالة على اكتمال أنشطة يومٌ معين. وعادةً ما توضع هذه الصيغ في نهاية أحداث كل يوم. ومع ذلك، في اليوم الثاني، لا يوجد إعلان مشابه في نهاية اليوم، بينما في اليوم الثالث، ذكرت هذه الصيغة “و رأى الله ذلك أنه حسنّ”، مرتين.

يشير السرد إلى أن الله جمع المياه وخلق الأرض اليابسة في اليوم الثاني. وقد أدى غياب الإعلان المعتاد عن عمله على “أنه حسنّ” في نهاية اليوم الثاني العديد من التساؤلات. بعض التفسيرات الدينية ذكرت أن الله كان ينوي إكمال المهمة في اليوم الثاني ولكنه احتفظ بالبركة لحين الإنتهاء من “جمع المياه وخلق الأرض اليابسة” في اليوم الثالث. ويتناقض هذا التفسير مع الإيمان بقدرة الله اللانهائية على أن يقول للشئ “كن فيكون”.  

الحل المقترح لهذا التناقض هو أن القائمين على كتابة الكتاب المقدس ارتكبوا خطأً مماثل لخطأ القص واللصق. فإن عملية جمع المياه وإنشاء الأرض اليابسة ينتميان منطقيًا إلى اليوم الثاني، بعد أن رفع السماء فى اليوم الأول. ولكن القائمين على تحرير الكتاب المقدس قاموا، وبشكلٍ خاطئ بنقل جزء من أحداث اليوم الثانى إلى اليوم الثالث. ونتج عن ذلك فقدان البركة في نهاية اليوم الثاني. وعند استعادة قصة ظهور الأرض اليابسة لليوم الثاني، يتم حل مشكلة فقدان البركة فى نهاية اليوم الثانى، ويتم وضع الصيغة النصية للبركة في الختام المناسب لأحداث كل يوم.

الأسطورة رقم 15 “وفى اليوم السابع استراح”

الأسطورة: “وبارك الله اليوم السابع وقدسهُ، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقاً.” (تكوين 3:2)

الواقع: فى الرواية الأصلية لسفر التكوين يستريح الرب فى اليوم السابع، لكنه يخلق البشر فى ذلك اليم أيضاً. 

خلال مناقشة الأسطورة رقم ١٤، كشف المؤلف وجود أسلوباً معيناً فى السرد التوراتي لسفر التكوين حيث تُختتم أنشطة كل يوم من أيام الخلق ببركة. ومع ذلك، أظهر تحليل النص أن تلك البركة تم حذفها في نهاية اليوم الثاني ولكنها أُدرجت في منتصف اليومين الثالث والسادس، وأن ذلك الخطاء نتج خلال نقل مؤلفى الكتاب المقدس لأساطيره. فخلال إعادة ترتيب الأحداث تم وضع الجزء الأول من اليوم الثالث في الجزء الثاني من اليوم الثاني، وتم استعادة التناسق المنطقي، بكتابة بركة فى ختام ما تم عمله فى كل يومٍ من الأيام الستة الأولى للخلق. ومع ذلك، بقيت بركة إضافية في منتصف اليوم السادس. هذه البركة الإضافية حدثت بعد خلق الوحوش والمخلوقات الزاحفة وقبل خلق البشر. ووفقًا للمنطق المتبع فى المصدر الأصلى لقصة الخلق، فإن الوحوش والبشر خلقوا في أيام منفصلة.  ويؤدى هذا الى ظهور الإنسان في اليوم السابع، وبالتالى يؤخر يوم راحة الله إلى اليوم الثامن.

مفهوم راحة يوم السبت، في اليوم السابع من الأسبوع، تقليد هام في الحضارة الغربية. ومع ذلك، إذا كان الله قد استراح في اليوم الثامن بدلاً من السابع، فإن ذلك يتحدى التقليد الراسخ والمتبع. ويبدو أن فكرة راحة يوم السبت تعود الى أصول متأخره، فلا توجد أدلة على وجودها فى في تاريخ إسرائيل القديم قبل الخروج من مصر. ومن المعتقد أن المقاطع المكتوبة فى الكتاب المقدس والتي تأمر بالإلتزام بالراحة يوم السبت تمت إضافاتها بعد الخروج من مصر.  ويشير سفر التثنية (5:15) إلى أن السبت كان منحة من الرب لتذكير بنى إسرائيل بتحريرهم من العبودية، وليس لأن الله استراح في اليوم السابع.

 نقص السجلات الكتابية المبكرة حول الإلتزام بعدم العمل فى أيام السبت وأصوله المحتملة في التقاليد البابلية أو الممارسات الزراعية الكنعانية يثير الشكوك حول ارتباطه بقصة الخلق الكتابية الأصلية. إذا كان اليوم المقدس هو اليوم الثامن من دورة الخلق، كما يقترح التحليل النصى، فإن مفهوم السبت في اليوم السابع ربما يكون قد نشأ في وقت لاحق في تاريخ إسرائيل.    

2. يُرمز إلى المصدر الياء (J) باستخدام الاسم العبري “يهوه” لله، و الكاف (P) هو مصدر آخر مدمج داخل الألف (E) (أو مصدر إلوهيم) ويهتم أساسًا بالشؤون الكهنوتية والطقوس، والتواريخ والأرقام والقياسات بدقة.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك