8# – 101 أسطورة توراتية (الجزء الثالث): البحث عن نشأه التوراة

ملخص في ثوانٍ: فرضية الوثائق ومصادرها الأربعة، أثر ألواح الفيضان الآشورية على قصة الطوفان فى الكتاب المقدس، الحواشى التوراتية وتأثيرها على من كتبوا التوراة، ونظرة سريعة على ما يمكن توقعه في المقال القادم.

في مقالي السابق، “(الجزء الثاني): المقدمة”، تناولت الشكوك المحيطة بأصل أول خمسة كتب من التوراة، وكيف بدأ اللاهوتيون فى بداية القرن الثامن عشر، يولون اهتمامًا متزايدًا لمشكلة “الإزدواجية” فى نصوص العهد القديم.  في هذا المقال، سأذكر المزيد من المواضيع المثيره التى نتجت عن إستمرار البحث في هذا الموضوع.

في بداية القرن التاسع عشر، أظهر التحليل الزمنى للقصص المذكورة فى التوراة وجود أربع مصادر منفصلة للوثائق التى تم الإعتماد عليها فى كتابة “كتب موسى الخمسة” أو مايعرف ب “التوراة”.  وأن لكل واحدٌ من هذه المصادر وجهة نظر خاصة به و تمت كتابته فى أوقاتٍ مختلفة. يُعرف هذا الطرح المتعدد المرجعية باسم “الفرضية الوثائقية”.

الفرضية الوثائقية

وفقًا لجاري غرينبرج، مؤلف “101 أسطورة توراتية”، يشير مصطلح “الفرضية الوثائقية” الى وجود أربعة مراجع رئيسية لأسفار العهد القديم.  أطلق على هذه المراجع الأربعة اسماء: “الياء” ( (Jو الألف (E) و الكاف (P) و التاء (D).

مرجع الياء

يشير هذا المرجع الى الوثائق التى تَستخدم اسم “يهوه” بالعبرية للإشارة إلى الله. هذا المرجع يقدم هذا المرجع سرداً تاريخًا شاملاً لإسرائيل، من قصتى الخلق و آدم وحواء إلى فترة عصور الأباء، ويشمل ذلك السرد التاريخى فترة خروج بنى إسرائيل من مصر، وزمن التيه فى سيناء.  ويعتقد بعض العلماء أن نشأة هذا المرجع تعود إلى عهدى الملك داود والملك سليمان.   الآلهة فى مصدر الياء تظهر بصفات آدمية كثيرة، فهى تتفاعل بشكل مادى مع البشر وتبدى مشاعر وردود أفعال تجاه مايجرى من أحداث.  

مرجعى الألف و الكاف

مرجع  الألف يشمل القصص التوراتية التى تَستخدم “الوهيم” كإسمٌ لله. ويتكون هذا المرجع من مصدرين مختلفين، على الأقل. يركز أحدهما على الاهتمامات الكهنوتية والطقوس، مما يجعله يلقب بمرجع الكاف أو المرجع الكهنوتى.  وبشكلٍ عام يُعتبر مرجع الألف أقدم من المرجع الكهنوتى، ويُعتقد أن تاريخه يعود إلى ماقبل الفترة الآشورية. يركز مرجع الألف على تاريخ مملكة إسرائيل ويروج للنبى موسى كبطل وطني ويركز الضوء على القصص التى حدثت بعد الطوفان.

يتميز مرجع الكاف بإرتباطه الوثيق بالشق الكهنوتى المرتبط بهارون، شقيق النبى موسى، ويؤكد على أحقية أتباع هارون فى تقلد المناصب القيادية فى الهيكل.  وعلى عكس مرجع الألف، يبدأ مرجع الكاف برواية قصة الخلق ويساهم فى ذكر قصة الطوفان، ولكنه لايذكر قصة آدم وحواء وماجرى فى جنة عدن.

مرجع التاء  

 يأخذ هذا المرجع  اسمه من سفر التثنية. وهو يعكس الآراء الإصلاحية التى دعا لها الملك يوشيا في أواخر القرن السابع قبل الميلاد. زعم الملك ثوشيا أن قوانين موسى قد فُقدت وأن بعض أعوانه وجدوا ناموس موسى صدفة فى أحد أركان المعبد القصية.  أدعى الملك يوشا أن مملكة يهوذا قد انحرفت عن طريق الصواب وأن على سكانها أتباع الإصلاحات الدينية الأصولية التى عثر عليها أتباعه فى المعبد. و إذا كان سفر التثنية قد كُتب في زمن يوشيا، فيمكن القول بأن ذلك كان حوالي سنة 622 ق.م.  وطاعة الرب هى السمة السائدة في سفر التثنية.

لوح الفيضان الآشوري  

رغم أهمية مراجع الفرضية الوثائقية فى نشأة التوراة، إلا أن المهتمين بالبحث عن مصدر القصص المذكورة فى التوراه طرحوا عدة أسئله هامه مثل: ماهى الأفكار الخارجية الأخرى التى أثرت فى كتابة التوراة؟  وهل استمد كُتّاب الكتاب المقدس أفكارهم من الحضارات المصرية والكنعانية و من بلاد الرافدين؟

في الثالث من ديسمبر عام 1872، اعتلت هذه الأسئلة قمة أولويات دراسات الكتاب المقدس. ففي ذلك التاريخ، اكتشف عالم متخصص فى الحضارة الآشورية، اسمه جورج سميث، قصة الطوفان التي كانت مكتوبة باللغة الآكادية – وهى لغة أقدم من اللغة العبرية – وهى قصة تحتوى على تشابهات عديدة وملحوظة مع السرد الكتابي لنفس القصة فى الكتاب المقدس. ولا يملك المرء أمام هذا التشابة سوى أن يتساءل، هل تم اقتراض هذه القصة من الحضارة الأشورية لإستعمالها فى كتابة التوراة؟  

الحواشى التوراتية

يعتبر الكثيرون أن الكتاب المقدس الناس نابعٌ من وحىّ سماوى.  ويشير العديد ممن قاموا بتدوين هذا الكتاب الى مراجع معينة اعتمدوا عليها فى كتابة التوراة، وينظر لهذه المراجع على أنها نوع من “الحواشى التوراتية”، مثل سفر ياشر وأفعال داود. وللأسف، لم يتم العثور على أى نُسخ من تلك الأعمال المشار إليها، مما يثير الشك فى مدى جودة هذه الحواشى.

في المقال القادم، سأستعرض الأجزاء الثلاثة من كتاب “101 أسطورة توراتية”، وهى: أساطير الخلق، وأساطير آباء إسرائيل، وأساطير الأبطال. وسأقدم بعض هذه الأساطير وأستعرض وجهة نظر المؤلف النقدية تجاه مصادرها الأصلية. انضموا إلي في هذه الرحلة التعليمية إلى أعماق أسرار الكتاب المقدس.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك