مُلخصٌ فى ثوانٍ: قصص مأساوية حديثة عن إطلاق نار والقتل الجماعي: مشكلة ضخمة بدون تعريف واضح ، إطلاق النار والقتل الجماعي، هل هي ظاهرة أمريكية؟ وما الذي نعرفه وما لا نعرفه عن مشكلة إطلاق النار والقتل الجماعى فى الولايات المتحدة.
قصص مأساوية حديثة
تتذكر أدريان دريل1، الصحفية المتقاعدة والمقيمة في هايلاند بارك بشيكاغو، اللحظات التي سبقت إطلاق النار الأخير في الرابع من يوليو في هذه الضاحية الراقية بشيكاغو، إلينوي.
التغطية الإعلامية الواسعة لهذا الحدث المؤسف أبقته على هامش اهتمام الأمريكيين لأيام قليلة. ومثل العديد من القصص المماثلة والتي سبقت مأساة الرابع من يوليو ، تلاشت أخبار هذا الحادث من وسائل الإعلام الأمريكية في غضون أيام قليلة، ثم اختفت من ذاكرتنا كما لو أنها لم تحدث أبدًا.
وقبل تلك الحادثة ببضعة أيام ، في 24 مايو، كان السيناريو المأساوي نفسه يتكرر في أوفالدي، بولاية تكساس2 . لكن على عكس ضحايا شيكاغو الذين كانوا من سكان الضواحي، ممن ينتمون للطبقة المتوسطة العليا، من البيض، ومن جميع الأعمار، وقعت حادثة أوفالدى في مدرسة ابتدائية صغيرة، لأطفال من ذوى البشرة الداكنة، مع اثنين من معلميهم، وكانوا جميعًا ينتمون للطبقة العاملة فى مدينة ريفية صغيرة. وقبل ذلك بأقل من أسبوعين، في 14 مايو، تم عرض سيناريو مشابه3، فى سوبر ماركت صغير بضاحية فقيرة نسبياً، معظم سكانها من الطبقة العاملة بمدينة بافالو الأمريكية، وكان جميع القتلى هذه المرة من السود.
الجزء المحزن والمحبط بشأن عمليات إطلاق النار والقتل الجماعى هو أنه في غضون أيام قليلة، بعد كل واحدة من هذه الحوادث المؤلمة، تستمر الحياة بشكل طبيعى كما لو أن شيئاً لم يحدث.
مشكلة ضخمة بدون تعريف واضح
يمكن أن يكون تعريف مصطلح “إطلاق النار والقتل الجماعي” مباشر و بسيط مثل: “الحوادث الناتجة عن العنف المرتبط بالأسلحة النارية والتي تؤدى الى سقوط العديد من الضحايا 4“. ولكن عدم دقة هذا التعريف تمنع الباحثين من دراسة مشكلة إطلاق النار والقتل الجماعى وتعوق فرصة منع حدوث مآسي شبيهه فى المستقبل. أحد التعريفات التي غالباً ماتستعمل لوصف هذه المشكلة، هى: “أى فعل عنف عام يستعمل فيه سلاح ناري – باستثناء القتل الجماعي أوالعنف المنزلي أو الأعمال التي ترعاها منظمات إرهابية – وينتج عنها مقتل أربعة ضحايا على الأقل4“.
حوادث القتل الجماعية – هل هي ظاهرة أمريكية؟
شهدت الولايات المتحدة عمليات إطلاق نار وقتل جماعي أكثر من أي دولة أخرى 5. فوفقًا للتعريف السابق، فإن ما يقرب من ثلث حوادث إطلاق النار والقتل الجماعي التى حدثت في العالم بين عامي 1966 و 2012 كانت في الولايات المتحدة 5. وحجم هذه المشكلة لا يتناقص، بل على العكس، وفقًا لدراسة نُشرت في عام 2014 6، “تضاعف معدل حدوث عمليات إطلاق النار والقتل الجماعي ثلاث مرات منذ عام 2011. وذكرت الدراسة نفسها أنه بين عامي 1982 و 2011 حدث إطلاق نار وقتل جماعي مرة واحدة تقريبًا كل 200 يوم، فى حين أنه بين عامي 2011 و 2013 تسارع معدل إطلاق النار والقتل الجماعي إلى حادثة واحدة كل 64 يومًا في الولايات المتحدة.
ما الذي نعرفه وما الذي لا نعرفه عن إطلاق النار والقتل الجماعي؟
يبدو أن قصص حوادث إطلاق النار والقتل الجماعي المتكررة والغير مرحب بها على قنوات التلفزيون فى منازلنا تكرر نفس السيناريو كلما وقعت حادثة جديدة. ففى كل مرة نستمع لتكرار قصة العلامات التى بدت على القاتل قبل ارتكابة لجريمتة و التى إذا لاحظناها مبكراً كان من الممكن أن نمنعه عن إرتكاب جريمته، وعن رد الفعل السريع لضباط الشرطة الشجعان الذين استجابوا لنداء الواجب، ويلى ذلك أيام من استعراض قصص حياة الضحايا التي انتهت قبل ميعادها. ومع كل ذلك، لا نحصل أبدًا على إجابات مُرضية توضح سبب عدم قدرة نظامنا الحاكم على تصحيح هذه الظاهرة الأمريكية التي ابتليت بها مجتمعاتنا .
نحن على دراية بعده مواضيع يعتقد الكثيرون أنها تساهم في حدوث هذه المشكلة، مثل سهولة الحصول على السلاح فى المجتمع الأمريكى و الأمراض العقلية و الرغبة فى الإنتحار.
سهولة الحصول على السلاح فى المجتمع الأمريكى
الولايات المتحدة تحمل نسبة ملكية فردية للسلاح في العالم، بواقع 120.5 سلاحًا ناريًا لكل 100 شخص7. وقد ربطت عدة دراسات بين سهولة الحصول على السلاح و بين ارتفاع معدلات إطلاق النار والقتل الجماعي في الولايات المتحدة5 & 7.
الصحة النفسية والإنتحار
العلاقة بين الأمراض العقلية وإطلاق النار والقتل الجماعي علاقة مثيرة للجدل. ومع ذلك، فإن هذا الموضوع يستقطب الكثير من السياسيين والمدافعين عن حقوق “المواطنين الملتزمين بالقانون” في حمل السلاح دون قيود. في دراسة حديثة 8، أفادت مجموعة من خبراء الصحة العقلية ومطبقى القانون أن ما يقرب من ثلث حوادث العنف الجماعي، منذ التسعينيات، ارتكبها أشخاص يعانون من “مرض عقلي خطير”. والمثير للدهشة أن نفس الدراسة أكدت أن الأشخاص الذين لديهم أمراض عقلية خطيرة مسؤولون عن أقل من 4٪ من جميع أعمال العنف المرتكبة في الولايات المتحدة.
كيف يمكننا مواجهة وباءعمليات إطلاق النار الجماعية دون وجود تعريف واضح للمشكلة، وكيف يمكننا التغلب على هذا المرض الاجتماعي بينما التمويل الحكومى لأبحاث العنف المسلح تم تجميدها منذ سنوات9، وكيف يمكننا أن نُحمل مُصنعي الأسلحة مسؤولية بيع أسلحة، لاتستعمل إلا فى الحروب، للمدنيين في شوارع مدننا، بينما مصانعهم تحت حماية القانون الفيدرالي 10؟
دعنا نتقبل حوادث إطلاق النار الجماعي كما لو كانت مجرد كارثة طبيعية أخرى أو قدرٌ مكتوب لانستطيع رده. كل ماعلينا فعلة هو أن نُخبر الناس عندما تقع حادثة إطلاق نار وقتل جماعى، ونقدم التعازى لأهالى الضحايا ونطلب لضحاياهم المغفرة والرحمة، وبعد ذلك نعود لممارسة حياتنا كأن شيئاً لم يحدث وكأن كل شئٍ على مايرام.
المراجع
1. الرعب في الرابع من يوليو: إعتقال المشتبه به بعد وقوع ستة قتلى وعشرات الجرحى في إحتفال مدينة هايلاند بارك بعيد الإستقلال.
https://chicago.suntimes.com/2022/7/4/23194354/highland-park-fourth-july-parade-gunfire
2. ماالذى تعرفه عن حادثة إطلاق النار فى المدرسة بمدينة أوفالدي، بولاية تكساس.
3. حادثة إطلاق النار فى مدينة بافالو سنة 2022.
https://en.wikipedia.org/wiki/2022_Buffalo_shooting
4. حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة.
https://en.wikipedia.org/wiki/Mass_shootings_in_the_United_States
5. لماذا لدى الولايات المتحدة أكبر عدد من عمليات إطلاق النار الجماعية؟
https://www.cnn.com/2015/08/27/health/u-s-most-mass-shootings/index.html
6. تضاعف عمليات إطلاق النار ثلاث مرات منذ عام 2011، وفقًا لبحث أجرتة جامعة هارفارد الأمريكية.
7. كيف تحتل الولايات المتحدة المركز الأول فى معدلات القتل الجماعى.
https://www.latimes.com/science/sciencenow/la-sci-sn-united-states-mass-shooting-20150824-story.html
8. دراسة توضح إن ثلث عمليات إطلاق النار الجماعية يرتكبها أشخاص مصابون بأمراض عقلية.
9. تاريخ وقف التمويل الفيدرالي لبحوث أعمال العنف الناتجة عن إستعمال السلاح.
https://www.apa.org/science/about/psa/2013/02/gun-violence
10. قانون حماية التجارة المشروعة في الأسلحة.
* نُشر هذا المقال في يوليو 2022 في مدونتي السابقة “إسلامي”.