مُلخصٌ فى ثوانٍ: التسلسل الزمني لمذبحة مدينة بافالو، مكانة الإمريكى الأسود مقابل الأمريكى الإبيض على السلم الاجتماعي والاقتصادي ، و دور “نظرية الإستبدال العظيم”.
كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف بعد ظهر يوم السبت الرابع عشر من شهرمايو 2022*، عندما دخلت سيارة قديمة متواضعة ببطء في موقف السيارات التابع للسوبر ماركت الوحيد في حي يغْلُب عليه السود في مدينة بافالو التابعة لولاية نيويورك الأمريكية. خلف عجلة قيادة تلك السيارة الزرقاء الباهتة جلس شابٌ فى الثامنة عشرة من عمره. وعلى الرغم من أن السائق، بايتون س. جيندرون (1)، كان بمفرده على متن تلك السيارة القديمة التى يعلوها الصدأ إلا أنه لم يكن وحيداً. فقد أصطحب معه كاميرا للبث المباشر على “تويتش”(2) حيث كان هناك عددٌ غير معروف من المشتركين يتابعون مايحدث بشكل حى.
وبمجرد توقف سيارته أمام المدخل الرئيسي للسوبر ماركت، نزل السيد جيندرون من سيارته الصغيرة وبيده بندقيه نصف آلية من طراز (AR-15) وبدأ في نشر كراهيته المميتة لأي إنسان ذو بشرة سوداء تصادف وجوده بالقرب منه. شعرالسيد جيندرون بالثقة حينما دخل السوبر ماركت هو يرتدى سترة واقية من الرصاص وخوذة تكتيكية، وكان بحوذتة الكثير من الذخيرة. وفى غضون دقائق قليلة، تمكن هذا القاتل من إنهاء حياة 10 أشخاص، تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 86 عامًا، كانوا مجرد متسوقين يقوموا بشراء إحتياجات أسرهم. كان لون بشرتهم هو جريمتهم الوحيدة التى قتلوا من أجلها.
لماذا يكرس أي شخص حياته لهذا القدر من الشر؟ الحقيقة هى أن السيد جيندرون وضحاياه أمريكيون “بالإسم فقط”. فهم فى الواقع ينتمون إلى مجموعتين مختلفتين من الناس، كل مجموعة منهما على أحد طرفي المقياس الاجتماعي والاقتصادي لأمريكا.
السيد جيندرون موجود فى الطرف الثرى من المقياس الإجتماعي والإقتصادي فقد ولد وقضى كل حياته في كونكلين، وهي مدينة ريفية صغيرة في ولاية نيويورك الأمريكية. مدينة غالبية سكانها من البيض (90٪) مع عدد قليل من الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقية (أقل من 1٪) وذلك حسب تعداد عام 2020، ويبلغ متوسط دخل الأسرة السنوى فيها 68 ألف دولار، و يعيش 9٪ من سكانها تحت حد الفقر.
أما ضحايا السيد جيندرون فهم ممن يكافحون لتلبية الإحتياجات الأساسية للحياة فى الطرف الفقير من نفس المقياس الإجتماعى والإقتصادى. هم من سكان بافالو السود. ومن المعروف أن مدينة بافالو واحدة من أكثر المدن الأمريكية فى الفصل العنصرى بين سكانها (3). هذا الفصل العنصري والإقتصادى فرض العديد من الضغوط على الأشخاص ذوى الأصول الأفريقية، مما أضر بمستوى خدماتهم الصحية والتعليمية وفرصهم فى الوصول إلى الوظائف وقدرتهم على توفير الأمن المالى لعائلاتهم.
كل ما ماكان السيد جيندرون يحتاجه لعبور خط قدسية الحياة الإنسانية هو عقيدة ملتوية وشريرة، عقيدة توضح له العشيرة التى ينتمي إليها والقبيلة التى تُشكل تهديداً له ولمجموعته العرقية. عقيدة تتميز بالبساطة والوضوح وسهولةالفهم بالنسبة لشخصٍ بسيط مستعدٌ للعمل وليس للتفكير. وفي وسائل الإعلام اليمينية المحافظة، وجد إيمانه الجديد “الاستبدال العظيم” (4)(5).
المراجع
1. ما نعرفه عن بايتون جيندرون المشتبه فيه فى حادثة إطلاق النار في سوبر ماركت مدينة بافالو
بقلم شيمون بروكوبيكز، كريستينا ماكسوريس، داكين أندوني، سامانثا بيتش، وأمير فيرا، سي إن إن. (تم التحديث في 1:45 صباحًا بالتوقيت الشرقي، الأربعاء 18 مايو 2022)
https://www.cnn.com/2022/05/15/us/payton-gendron-buffalo-shooting-suspect-what-we-know/index.html
2. تويتش: خدمة بث فيديو مباشر أمريكية تركز على البث المباشر لألعاب الفيديو. يتم تشغيلها بواسطة Twitch Interactive وهي تابعة لـشركة أمازون
3. مدينة مقسمة: نبذة تاريخية عن الفصل العنصري بمدينة بافالو
بقلم آنا بلاتو. (أبريل 2018)
4. “نظرية الاستبدال العظيم” هي نظرية مؤامرة يمينية متطرفة، نشرها الكاتب الفرنسي رينو كامو. وقد روجت النظرية الأصلية لفكرة أن مجموعة من النخبة الفرنسية، عَرّفهم رينو كامو ب”المُستبدلين”، يقومون بجلب أشخاص من مجموعاتٍ عرقية من غير البيض، وخاصة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ليحلوا محل الأوروبيين البيض المنحدرين من أصول فرنسية. وقد تبنى هذه النظرية العديد من العنصريين البيض ومروجى الميول اليمينة المتطرفة فى العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة.
5. ما هو “الإستبدال العظيم” وكيف تم ربطه بالمشتبه به فى حادثة إطلاق النار فى مدينة بافالو؟
بقلم داستن جونز. (16 مايو 2022، 12:35 صباحًا بالتوقيت الشرقي)
https://www.npr.org/2022/05/16/1099034094/what-is-the-great-replacement-theory
* نُشر هذا المقال في مايو 2022 في مدونتي السابقة “إسلامي”.