مُلخصٌ فى ثوانٍ: كيف أساء طارق عزيز، وزير خارجية العراق، فهم اللغة الغير لفظية (أو لغة الجسد) لوزير خارجية الولايات المتحدة، وأثر ذلك على قيام حرب الخليج الأولى، وما سنقوم بتغطيته في مقالنا التالي.
بعد فترة وجيزة من انتقالى الى الولايات المتحدة انضممت إلى فصل دراسى متعلق بالسلوك البشرى. وخلال محاضرة عن التواصل الغير لفظى، والذى يسمى أحياناَ بلغة الجسد، كان المحاضر يصف كيف تتمتع كل ثقافة بتواصلها الغير لفظى الفريد، والذى قد لايفهمه أولئك الذين ينتمون إلى ثقافات أو مجموعات بشرية أخرى. وأعطى المحاضر مثالاً لذلك بلقاء جيمس بيكر1، وكان في ذلك الوقت وزير خارجية الولايات المتحدة، بطارق عزيز2، أحد نواب الرئيس العراقى صدام حسين قبل حرب الخليج الأولى.
كان الغرض من الإجتماع مختلفاً تماماً فى ذهنىّ صانعى القرار فى العراق والولايات المتحدة، وبالتالى بين الذين مثلوهم فى ذلك الإجتماع. وفى التاسع من يناير سنة 1991، التقى الطرفان فى جنيف، سويسرا. وضع جيمس بيكر طلباً واحداً فقط على طاولة المفاوضات: “انسحبوا من الكويت دون قيد أو شرط وإلا فإن الجيش الأمريكي سيسحقكم”. ولإقناع المندوب العراقي بالجزء الثاني من هذا الإنذار المختصر ، شرع جيمس بيكر في وصف جميع الأسلحة الفتاكة التي حشدها جيش الولايات المتحدة على الحدود الكويتية خلال الأسابيع الماضية.
نظر طارق عزيز عبر طاولة المفاوضات الى جيمس بيكر، رأى رجلًا مهذبًاً، لايرفع صوته أثناء الحديث، ذو إبتسامة رقيقة لم تفارق وجهه طوال الإجتماع. لم يُدرك طارق عزيز الجانب الآخر لجيمس بيكر، جانب الجراح المحترف، الذي كان يشرح ببطءٍ ودقة، قدرة الجيش الأمريكي على تمزيق الجيش العراقي إذا مارفضوا إنذاره. ولم يُعر السيد بيكر أي اهتمام لمحاولات طارق عزيز لإشراكه في نقاش جانبي حول تاريخ المنطقة أو جغرافية آبار النفط.
في ختام يوم طويل من المفاوضات، وقف طارق عزيز أمام كاميرات التلفزيون، وبدا متفائلاً. وأكد للصحافيين أن العراق نجح في تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة. عاد طارق عزيز بهذا التفاؤل إلى بغداد. وفي إحاطته لصدام حسين بما جرى، وصف جيمس بيكر بأنه رجل هادئ وعقلاني، لم يرفع صوته، أو يضرب طاولة المفاوضات بقبضة يده. وخلص طارق عزيز الى أن “الأمريكيين يخادعون ويتظاهرون”. وأضاف، “لقد حشد الأمريكيون قواتهم في السعودية ليُظهروا لدول المنطقة وبقية العالم أنهم سيدافعون عن دول الخليج وحقولهم النفطية وطرق التجارة البحرية الاستراتيجية”.
وفي غضون أسبوع من اجتماعهم ، في 16 يناير 1991، بدأت طائرات التحالف حملتها الجوية المكثفة، والتى أدت، خلال أيام، إلى انهيار القوات العراقية وانسحابها من الكويت. كل مرة أتذكر فيها تلك القصة، أفكر في آلاف العراقيين الذين كانوا على وشك فقدان حياتهم بسبب الافتقار إلى جسور التفاهم بين الثقافات.
المراجع
1. جيمس بيكر: من مواليد 28 أبريل 1930 ، كان وزير خارجية الولايات المتحدة رقم 61 (25 يناير 1989 – 23 أغسطس 1992) خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش الأب.
2. طارق عزيز: (28 أبريل 1936-5 يونيو 2015) ، كان نائب رئيس الوزراء العراقي (16 يوليو 1979 – 9 أبريل 2003).