مُلخصٌ فى ثوانٍ: القصة الواقعية لإسم المدونة “تحت عمود النور”، حكاية مدينة مصرية صغيرة من منتصف القرن العشرين الى الآن، وموضوع المقالة التالية.
نشأت في مدينة بور فؤاد1، وهي بلدة صغيرة في الركن الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء. في ذلك الوقت، خلال خمسينيات القرن الماضي، كانت بورفؤاد مدينة مصرية بالإسم فقط. فبشكل أو بآخر، كانت المدينة مملوكة لشركة قناة السويس2. إنتشرت البصمات الفرنسية الواضحة فى كل مكان، من الطرق الواسعة التي تتوسطها جزر خضراء ممتلئةٌ بالزهور، إلى الأشجار القديمة الناضجة التي ذكرتنا بعمق جذور ثقافة فرنسية بدأت قبل عدة عقود.
طريق واسع، قسم بورفؤاد إلى جزئين. على شمال هذا الطريق، عاش كبار موظفى الإدارات العليا لشركة قناة السويس في فيلات كبيرة محاطة بحدائق ممتدة. وبكل حديقة مجموعة مختارة من الأشجار بعضها من المنطقة والبعض الآخر لم يكن مصرى الأصل، ربما تم استيراده من فرنسا لمنع كبار الموظفين الفرنسيين وعائلاتهم من الشعور بالحنين للوطن. إلى الجنوب من هذا الطريق الفاصل، كانت تعيش مستويات مختلفة من العاملين بشركة قناة السويس، من مستوى الإدارة المتوسطة إلى أصحاب الدخول المنخفضة. كانت هناك فيلات بمستويات مختلفة من الفخامة تتناسب مع هذه المجموعة المتنوعة من سلم أجور الشركة. ومع ذلك وبشكل عام كانت المنازل فى الجزء الجنوبى من بورفؤاد مبنية على شكل فلل محاطة بحدائق مليئة بأشجار الفاكهة، وكان منزلنا واحدًا منهم وفى حديقتة ثلاثة من أشجار الليمون.
لم تكن بورفؤاد مدينة مزدحمة، ولم يكن فى شوارعها إلا عدد قليل من السيارات. وبشكلٍ عام كان كل ساكن، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الوضع الاجتماعي أوالاقتصادي، إما يمشى أو يستعمل دراجتة للوصول الى أى مكان داخل المدينة. كان هناك عدد قليل من المباني متعددة الطوابق لإقامة “الآخرين” الذين لم يكونوا من عمال الشركة، ولكنهم قدموا مجموعة متنوعة من الخدمات لموظفى وعمال الشركة.
على أطراف المدينة ، وعلى قطعة أرض شبه مهجورة، كان هناك مبنى من طابق واحد لايظهر منه إلا سقف أعلى قليلاً من مستوى الشارع. سكنت فى هذا المنزل عائلة فقيرة تعمل فى بيع الحليب وبعض منتجات الألبان. واعتاد أحد أبنائهم التجول في المدينة على عربة دراجة لبيع الزبادى. هذا الإبن كان زميلًا لى فى المدرسة الإعدادية وصديقاًا مقربًا لي، وكان اسمه زكي.
اعتادت أمي أن ترسلني إلى متجر البقالة أو إلى المخبز لشراء ماتحتاجة لإعداد العشاء. كان منزل زكي في طريقي إلى منطقة السوق وكان هناك عمود إنارة بالقرب من منزلة. كنت أسير وحدي في الشوارع ذات الإضاءة الخافتة، وكنت أرى زكي جالسًا تحت عمود النور القريب من منزله لعمل واجبه المدرسى. فلم يكن لدى عائلته كهرباء في منزلهم.
بعد أن إنتهيت من إمتحانات الشهادة الإعدادية، كنت أقف مع مجموعة كبيرة من زملائى الطلاب فى فناء المدرسة، وكنا نتكلم عن تقديم طلباتنا للإلتحاق بالمرحلة الثانوية. كان زكي يقف معنا ولكنة كان صامتاً. سألته “ماهى المدرسة الثانوية التى ستتقدم لها؟” قال ذكى “لن أذهب إلى أى مدرسة ثانوية، وسأقدم أواراقى لمدرسة فنية كى أتعلم حرفة.” وأضاف “أنت تعرف كيف نعيش، والدي بالكاد يغطي مصاريفنا. ما الذي سأفعله بشهادة الثانوية العامة، أسرتى لا تتحمل إرسالى لأى كلية.”
بعد أقل من شهر على نهاية السنة الأولى من المرحلة الثانوية، فى الخامس من يونيو 31967، نشبت حرب الأيام الستة مع إسرائيل. أدت عواقب هذه الحرب إلى نزوح الكثير من سكان بورفؤاد، وكانت عائلة زكي واحدة منهم. خلال الأيام والشهور التالية، واصلت السير في وقت مبكر من المساء إلى السوق وكان كل شيء لا يزال في مكانه. لكن تحت عمود الإضاءة الخافت لم يكن زكي موجودًا ، ولم أره منذ ذلك الحين.
المراجع:
1. مدينة بور فؤاد:
https://en.wikipedia.org/wiki/Port_Fuad
2. شركة قناة السويس:
https://ar.wikipedia.org/wiki/Suez_Company_(1858٪E2٪80٪931997)
3. حرب عام 1967: والمعروفة أيضًا باسم “حرب الأيام الستة” أو “النكسة” أو “الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة” ، كانت نزاعًا مسلحًا خاضه في الفترة من 5 إلى 10 يونيو 1967 بين إسرائيل وتحالف عربي.