ملخص في ثوانٍ: أظهر نموذج حاسوبي( (1 يتتبع حركة القطب المغناطيسي الشمالي للأرض تسارعًا في حركته باتجاه سيبيريا. وقد تؤثر هذه التغيرات على أنظمة الملاحة. على الرغم من تباطؤ حركة هذا القطب في السنوات الأخيرة، فإن أسباب هذا التحرك لا تزال غير واضحة. وفي ظل هذه التغيرات، فإن التحديثات المستمرة للنماذج الحاسوبية ضرورية لضمان دقة الملاحة.
من الضروري ملاحظة أن القطب المغناطيسي الشمالي يختلف عن القطب الشمالي الجغرافي، الذي هو نقطة ثابتة يلتقي عندها محور الأرض مع سطحها. أما القطب المغناطيسي الشمالي، فهو الموقع المتغير الذي تتقاطع عنده خطوط المجال المغناطيسي للكوكب. يتواجد هذا المجال المغناطيسي بسبب حركة النواة الخارجية للأرض، التي تتكون من الحديد والنيكل المنصهرين. وتتواجد هذه النواة الخارجية على عمق حوالي 1800 ميل تحت سطح الأرض. ومع مرور الوقت تتغير حركة المعادن المنصهرة في لب الأرض، ويتحرك القطب المغناطيسي في عملية تعرف باسم “الدينامو الجيولوجي”( (2. ولكن يبدو أن هناك شئٌ غريب يحدث في الآونة الأخيرة.
تم اكتشاف القطب المغناطيسي الشمالي لأول مرة في عام 1831 على يد المستكشف جيمس كلارك روس( (3. وعلى مدار القرن الماضي، بدأ في التحرك ببطء، ولكن حركته من كندا نحو سيبريا زادت من حوالي 6 أميال في السنة إلى حوالي 31 ميلًا سنويًا خلال العقد الأول من الألفية الثانية. ولكن الحركة تباطأت بشكل كبير، في السنوات الخمس الأخيرة حيث انخفضت إلى حوالي 22 ميلًا في السنة. وهذا يُعتبر “أكبر تباطؤ في السرعة شهدناه على الإطلاق”، حسبما يقول العالم براون. ( (4
قام العلماء البريطانيون والأمريكيون بتتبع هذه الحركة وإصدارنسخة جديدة من “النموذج المغناطيسي العالمي”(5)(WMM)، كل خمس سنوات. ويستعمل هذا النموذج في أنظمة تحديد المواقع(GPS) ، وأجهزة الملاحة. وتظهر النسخة الأخيرة من هذا النموذج، والتي تم إصدارها في ديسمبرالماضي، أن القطب المغناطيسي الشمالي أصبح أقرب إلى سيبيريا مما كان عليه قبل خمس سنوات.
يعتبر هذا التحرك مهمًا بشكل خاص للصناعات التي تعتمد على المجالات المغناطيسية، مثل الطيران والشحن والملاحة. كما تعتمد أنظمة (GPS) والطائرات والمعدات العسكرية على النماذج الدقيقة للمجال المغناطيسي الشمالي كي تعمل بشكل صحيح. وعندما يتغير المجال المغناطيسي، ولابد من تحديث هذه النماذج لتواكب حدوث أى تغيرات.
يقول أرنو شولييه((6، وهو باحث كبير في جامعة كولورادو في بولدر، “كلما تأخرت في تحديث نماذج المجال المغناطيسي الشمالي، كلما زاد الخطأ. وأضاف “أن التنبؤات المبنية على النموذج تعتمد على المعرفة الحالية للمجال المغناطيسي للأرض.
ولا يزال العلماء غير متأكدين من سبب تحرك القطب المغناطيسي الشمالي بهذه السرعة. يعتقد بعض الباحثين أن التغيرات في قوة المجال المغناطيسي بالقرب من كندا وسيبيريا قد تؤثر على هذا التحرك.
يشير سياران بيغان( (7، وهو جيولوجي في المسح الجيولوجي البريطاني، إلى أن المجال المغناطيسي للأرض قد ضعف على مدار القرون الماضية، لكن ذلك لم يكن بشكل منتظم. إذ إن المجال يضعف في كندا ولكنه يزداد قوة حول سيبيريا، مما “يؤدي لسحب القطب المغناطيسي نحو سيبيريا”، حسبما يقول بيغان.
على الرغم من هذه النظريات، لا تزال الأسباب الدقيقة للتسارع والتباطؤ في حركة القطب غير واضحة. إذ يعتبر سلوك المجال المغناطيسي “معقدًا” و”فوضويًا”، لهذا لابد من تحديث نموذج WMM بانتظام. وفي عام 2019، تم إصدار النموذج المغناطيسي العالمي في وقت مبكر بسبب سرعة حركة القطب المغناطيسي.
على الرغم من أن هذه التغيرات قد تبدو بسيطة بالنسبة لمعظم الناس، إلا أن لها عواقب كبيرة على الأنظمة التي تعتمد على المجالات المغناطيسية في الملاحة. يتضمن التحديث الأخير لنموذج WMM خريطة عالية الدقة للقطب المغناطيسي الشمالي، مما يساعد في تقليل الأخطاء في أنظمة الملاحة. فوفقًا للنموذج المُحدث، إذا حاولت السفر من جنوب أفريقيا إلى المملكة المتحدة في خط مستقيم باستخدام النموذج القديم، فستكون على بُعد 93 ميلًا عن مسارك بنهاية رحلتك.
ويأتي تحديث WMM أيضًا في وقت تزداد فيه المناقشات العلمية حول مستقبل المجال المغناطيسي للأرض. فعلى مدار القرنين الماضيين، ضَعُف المجال المغناطيسي للأرض بنسبة حوالي 9%. لقد تكهن علماء الجيوفيزياء منذ فترة طويلة بأن ضعف المجال المغناطيسي قد يشير إلى حدوث انقلاب مغناطيسي للأرض، حيث يتبادل قطباها الشمالي والجنوبي الأماكن. ورغم أنه من غير المتوقع حدوث هذا التبادل في الوقت القريب، إلا أن الانقلابات المغناطيسية حدثت بشكل دوري عبر تاريخ الأرض — وكان آخر انقلاب منذ حوالي 780,000 سنة. ولا يستطيع العلماء التنبؤ بموعد حدوث الانقلاب التالي.
أما بالنسبة للقطب المغناطيسي الشمالي، فإن تحركه المستقبلي لا يزال غير مؤكد.
المصادر
جيفريز، إيلا. “القطب المغناطيسي الشمالي للأرض يتحرك نحو سيبيريا مما يثير أسئلة حول التحرك الغريب.” مجلة سميثسونيان، 24 يناير 2025.
المراجع
(1) الدينامو الجيولوجي: النظرية التي تشرح كيف يتم توليد والحفاظ على المجال المغناطيسي للأرض بواسطة التدفق الحركي في اللب السائل الخارجي للأرض.
(2) جيمس كلارك روس: السير جيمس كلارك روس، كان ضابطًا في البحرية الملكية البريطانية ومستكشفًا للمناطق القطبية الشمالية والجنوبية.
(3)ويليام براون: عالم جيولوجيا في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية.
(4) النموذج المغناطيسي العالمي: النموذج القياسي لأنظمة الملاحة والمراجع الاتجاهية التي تستخدم المجال المغناطيسي للأرض.
(5)أرنو تشولييه: باحث علمي وقائد فريق، دكتوراه، معهد الفيزياء في جلوب باريس.
(6)سياران بيجان: عالم بريطاني فى مجال الفيزياء الجيولوجي.