ملخص في ثوانٍ: منذ البداية، في أواخر القرن الثامن عشر، اختلفت النسخة الأمريكية من الديمقراطية بشكل كبير عن نظيرتها الأوروبية. فعلي سبيل المثال، يتضح التباين بين الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في شعار كل منهما: “لا ضرائب بدون ممثلين منتخبين” مقابل “الحرية والمساواة والأخوة”. وفي حين أن مسار أوروبا نحو الديمقراطية قد شكلته شخصيات وأحداث مثل نابليون بونابرت والأمير ميترنيخ و”ربيع الشعوب” في عام 1848، فإن مسار أمريكا نحو الديمقراطية قد حددته الحرب الأهلية، والتوسع في “الغرب المتوحش”، والاستحواذ على أراضٍ شاسعة بما في ذلك المكسيك وكوبا والفلبين، ومؤخراً التلاعب في الدوائر الانتخابية المثيرة للجدل في مجلس النواب.
لقد ناضلت أوروبا على مدى أجيال للحصول على الديمقراطية المزدهرة التي يتمتع بها الأوروبيون اليوم. فالأوروبيون يحملون ديمقراطيتهم في قلوبهم ويعتزون بها، وهم على استعداد للتضحية بأرواحهم لحماية ما ضحى أجدادهم من أجله. بالمقارنة، نحن، كأمريكيين، لم نخض نفس الكفاح. فكل ماعملناه هو اقتباس ملامح الديمقراطيات الأوروبية في القرن الثامن عشر.
وبينما كانت لدينا “الثورة الأمريكية”، كانت لديهم “الثورة الفرنسية”. وبالرغم من أن العديد من المؤرخين، خاصة الأمريكيين منهم، ذكروا أن الفرنسيين استلهموا ثورتهم من الثورة الأمريكية، إلا أن الحقيقة هي أنهما إشتركا في الإسم فقط. ففي حين أن الثورة الفرنسية قادها فلاسفة مثل جان جاك روسو1 وفولتير2 اللذين كانا يبشران بالحرية للجميع، فإن الثورة الأمريكية قادها كبار ملاك الأراضي الذين كانوا يطالبون بـ”لا ضرائب بدون تمثيل مُنتخب”. وفي حين بدأ الغوغاء في بوسطن الثورة الأمريكية بإلقاء 342 صندوقًا من شاي شركة الهند الشرقية في مياه البحر، بدأ الغوغاء الباريسيون ثورتهم بإقتحام سجن الباستيل3وهم يهتفون “حرية، مساواة، وأخوة”4.
كانت ثورتهم من أجل الحصول على حرية التفكير لأنفسهم – وعدم الخضوع للملوك أو الباباوات؛ أما ثورتنا فكانت من أجل “كل الناس خُلقوا متساوين”، التي كتبها مالكو العبيد الذين كان لديهم عشيقات سود. كانوا يعانقوهن ويقبلوهن خلال الليل ثم يحتفظوا بأولادهم -الذين هم أبنائهم وبناتهم- كعبيد في الصباح التالي.
“لطالما كان النفاق جزءًا من التركيب الوراثي لهذا البلد.”
كان في التاريخ الأوروبي أيضًا نابليون بونابرت5، الذي على الرغم من عيوبه، نشر مُثُل الثورة الفرنسية وأحلامها من مدريد في إسبانيا إلى موسكو في روسيا. لم تهز طبول الحرب لجيوشه الزاحفة الملوك الأوروبيين وأنظمتهم الأبدية فحسب، بل ألهمت كل أوروبي للقتال من أجل حياة الحرية التي ستمكنهم من السعي للوصول إلي إقصي مامنحهم الله لهم من إمكانيات.
أما نحن، وللأسف، فلم يكن لدينا أحد، ولا حتى تمثال لنابليون. وبدلًا من ذلك، كان لدينا جنرالات يغزون “الغرب المتوحش” ويؤسسون قاعدة لاعلاقة لها بالقانون، وهي “إنها ملكك إذا سحبت مسدسك وإستعملته بسرعة، قبل خصمك”. قمنا بغزو المكسيك6، واستولينا على نصف أراضيهم تقريبًا. قمنا بغزو كوبا7 واختلقنا قصة عن امرأة بيضاء تم تفتيشها عارية من قبل ضباط كوبيين “سمر” لإثارة الكراهية. غزونا الفلبين8 واستبدلنا الحكم الاستعماري الإسباني بنظام أكثر وحشية.
وفي أوروبا، كان هناك ميترنيخ9، الذي حاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال خنق روح الأوروبيين الذين أيقظهم نابليون. بعد بضع سنوات فقط من مؤتمر فيينا10 لعام 1815، شهدت أوروبا “ربيع الشعوب”11 في عام 1848. من أيرلندا إلى البحر الأسود، كانت الشعوب تطالب بتغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية. ولا تزال هذه الموجة من الثورات هي الأكبر والأكثر انتشارًا في التاريخ الأوروبي. وعلى النقيض من ذلك، لم تشهد أمريكا نفس النوع من الصحوة.
وبينما كانت أوروبا تندلع فيها سلسلة من الثورات في عام 1848، مطالبة بالتغيير السياسي والاجتماعي، كانت الولايات المتحدة تستعد للحرب الأهلية. وعلى عكس الثورات الأوروبية، لم نكن نقاتل من أجل أفكار جديدة، بل من أجل الحفاظ علي الماضي. فقد أراد نصف الأمريكيون تقريبًا الإبقاء على مؤسسة استعباد الملايين من شركائهم في الوطن، بسبب لون جلدهم، و توسيع هذا الداء ليشمل مناطق جديدة. وفي تلك الأثناء، كانت الدول الأوروبية تعمل على إلغاء تجارة الرقيق وثالوثها الإجرامي الذي كان يربط بين الشواطئ الأفريقية ومزارع العالم الجديد والحسابات المصرفية في أوروبا.
والحقيقة هي أن الديمقراطية الأمريكية كانت دائمًا نظامًا تصنعه النُخبة (الأثرياء وأصحاب السطوة) لتبدو وكأنها ديمقراطية، بينما هي في الواقع نظام يعود عليهم بالفائدة. فهي تُبقي الجماهير مشتتة ومهووسة بقضايا جانبية وغير مدركة لكيفية تحسين حياتهم اليومية. على سبيل المثال، لماذا تهتم بالأجر الملائم للعيش بينما أنت قلق على حقوقك في حمل السلاح؟ لماذا التركيز على الرعاية الصحية الشاملة بينما أنت تخشى العنف من أناس من أعراق أخري؟
عندما نتساءل كيف قام نصف الأمريكيون بإختيار شخصاً مثل دونالد جيه ترامب ليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، فعلينا أن نتذكر أن بلادنا لم تتغير كثيراً خلال ال250 عامًا منذ تأسيسها. فالقضايا نفسها التي فرقتنا في ذلك الوقت لا تزال تطاردنا حتي اليوم.
المصطلحات والمفردات
1. جان جاك روسو، فيلسوف وكاتب ومؤلف سويسري كان شخصية مهمة في عصر التنوير. أثرت أفكاره في السياسة والأخلاق بشكل كبير على أوروبا الغربية، وخاصة الثورة الفرنسية وتطور الفكر السياسي الحديث.
2. فولتير، واسمه الحقيقي فرانسوا ماري أرويه، وهو كاتب وفيلسوف ومؤرخ فرنسي مشهور من عصر التنوير. اشتهر فولتير بذكائه الحاد وانتقاده للمسيحية والعبودية، وكان يدعم بقوة حرية التعبير والحرية الدينية والفصل بين الكنيسة والدولة.
3. سجن الباستيل، كان الباستيل حصنًا في باريس، ويعرف أيضًا بإسم الباستيل سان أنطوان. وقد لعب دوراً رئيسياً في الصراعات الداخلية في فرنسا وكان ملوك فرنسا يستخدمونه كسجن للدولة. في 14 يوليو 1789، أثناء الثورة الفرنسية، اقتحمت حشود من الناس سجن الباستيل، وأصبح رمزاً مهماً للحركة الجمهورية في فرنسا. هُدمت القلعة فيما بعد واستُبدلت بساحة الباستيل.
4.“liberté, égalité, et fraternité” ، وتعني بالفرنسية: الحرية والمساواة والأخوة. تعود أصولها إلى الثورة الفرنسية وتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها خلال الجمهورية الثالثة في نهاية القرن التاسع عشر.
5. نابليون بونابرت، المعروف أيضًا باسم نابليون الأول، وهو جنرال وقائد عسكري فرنسي اشتهر خلال الثورة الفرنسية. قاد العديد من الحملات العسكرية في جميع أنحاء أوروبا خلال الثورة الفرنسية والحروب النابليونية من عام 1796 إلى عام 1815.
6. غزو المكسيك، المعروف أيضًا في الولايات المتحدة باسم الحرب المكسيكية وفي المكسيك باسم تدخل الولايات المتحدة في المكسيك، في الفترة من 25 أبريل 1846 إلى 2 فبراير 1848.
7. غزو كوبا، كان جزءًا من “الحرب الإسبانية الأمريكية”، التي دارت بين إسبانيا والولايات المتحدة من 21 أبريل إلى 10 ديسمبر 1898. ونتيجة لذلك، سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على بورتوريكو وغوام والفلبين، كما أنشأت محمية على كوبا.
8. حرب الفلبين، أو الحرب الفلبينية الأمريكية، والمعروفة أيضًا باسم التمرد الفلبيني. فبعد نهاية الحرب الإسبانية الأمريكية في ديسمبر 1898 سيطرت الولايات المتحدة على الفلبين من خلال معاهدة باريس. وقد بدأ القتال في 4 فبراير 1899 بمعركة مانيلا وانتهى بمعركة بود باجساك في 15 يونيو 1913.
9. ميترنيخ، (5 مايو 1773-11 يونيو1859 (وإسمه الحقيقى كليمنس وينزل نيبوموك لوثار، ويعرف أيضاً باسم كليمنس فون ميترنيخ أو الأمير ميترنيخ، وهو رجل دولة ودبلوماسي ألماني خدم الإمبراطورية النمساوية. لعب ميترنيخ، الذي كان محافظاً، دوراً رئيسياً في الحفاظ على توازن القوى الأوروبي المعروف باسم “حلف أوروبا” لمدة ثلاثة عقود. كان وزيراً لخارجية النمسا بدءاً من عام 1809 وأصبح مستشاراً في عام 1821، لكنه أُجبر على الاستقالة بعد الثورات الليبرالية عام 1848.
10. مؤتمر فيينا عام 1815، كان عبارة عن سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية الدولية التي عُقدت لمناقشة وتقرير نظام سياسي ودستوري جديد لأوروبا بعد سقوط الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت.
11. “ربيع الشعوب” في عام 1848، باستثناء إنجلترا وروسيا، شهدت جميع الدول الأوروبية الأخرى ثورات في ذلك العام. ولهذا السبب، يُشار إلى ذلك العام عادةً باسم “ربيع الشعوب”.