11# – “الثروة والديمقراطية” تأليف كيفين فيليبس (الجزء الثانى): الملخص والتقييم والخلاصة – فبراير 14، 2025

ملخص في ثوانٍ :يتناول كتاب “الثروة والديمقراطية للكاتب كيفين فيليبس كيف أن تركيز الثروة في يد قلة قليلة من الناس أثر على السياسة الأمريكية والديمقراطية. يرى فيليبس أن التفاوت المتزايد في الثروة يهدد القيم الديمقراطية ويؤدي إلى أنظمة سياسية فاسدة، وهو ما ساهم في انهيار إمبراطوريات أوروبية سابقة.  يقارن ذلك بتاريخ كل من إسبانيا، وهولندا، وبريطانيا، من صعود إمبراطورياتهم حتي انهيارها النهائي. في الجزء الثاني من هذا الاستعراض، سأقوم بتلخيص كتاب الثروةوالديمقراطية، كما سأقوم بتقييم عمل المؤلف، وأختتم بمناقشة مخاطر التفاوت الكبير في الثروة على مستقبل الديمقراطية الأمريكية.

ملخص كتاب “الثروة والديمقراطية” للكاتب كيفين فيليبس

في كتاب “الثروة والديمقراطية”، يستعرض كيفين فيليبس التفاوت المتزايد بين النخبة الغنية وبقية الشعب الأمريكي، ويشير إلي أن هذا التفاوت يقوض المبادئ الديمقراطية ويهدد الاستقرار السياسي. يعتمد فيليبس على التحليل التاريخي ليوضح كيف أن تركيز الثروة في يد قلة من الناس أثر على السياسة الأمريكية والقرارات السياسية والمجتمع بشكل عام.

إحدى النقاط الرئيسية التي يطرحها فيليبس هي أن تركيز الثروة كان له تأثير مستمر ودائم على الديمقراطية الأمريكية عبر التاريخ. ويقول المؤلف : “لطالما استخدم الأغنياء قوتهم لحماية وزيادة ثروتهم”، وأن هذه الظاهرة ليست جديدة. فهي مستمرة من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة إلى كبار رجال الأعمال في “العصر المذهب1“، يوضح فيليبس كيف سيطرت الطبقة الأرستقراطية علي النظام السياسي. يكتب المؤلف قائلاً: “أن النظام الديمقراطي الذي بُني على مبدأ “الضوابط والتوازنات2“… كان دائمًا في حالة تهديد من جراء تركز القوة الاقتصادية.”

يحدد فيليبس فترات هامة في تاريخ الولايات المتحدة شهدت تداخلًا كبيرًا بين الثروة والسلطة السياسية، بما في ذلك العصر المذهب حينما سيطر الصناعيون على السياسة والاقتصاد، وكذلك أواخر القرن العشرين عندما أدى صعود الشركات والمؤسسات المالية إلى زيادة فجوة الثروة. ويؤكد الكاتب أن “النظام السياسي الأمريكي قد تحول من جمهورية إلى “بلوتوقراطية“، 3(plutocracy) حيث أصبح للأغنياء تأثير كبير على القرارات السياسية.

إحدى المواضيع المركزية في الكتاب هي كيف أن الفجوة المتزايدة في الثروة تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والفساد. يرى فيليبس أن قدرة الطبقة الغنية على “التلاعب بالنظام السياسي” تخلق سيناريو يخدم فيه النظام الحكومي مصالح القلة بدلًا من الغالبية، مما يقوض المبادئ الديمقراطية للمساواة والتمثيل العادل، ويؤدي إلى زيادة الاستياء العام. ويحذر من أن “الطبقة الغنية التي تتحكم في الثروة يمكنها أن تعطل عمل الديمقراطية الحقيقية.

كما يسلط فيليبس الضوء على دور الشركات الكبرى في تشكيل السياسة الأمريكية، منتقدًا صعود الشركات المتعددة الجنسيات ودمج مصالح رجال الأعمال مع عملية اتخاذ القرارات السياسية. ويلاحظ أن “القوة الاقتصادية للشركات… غالبًا ما تغطي على أصوات المواطنين العاديين”، مما يؤدى إلي سياسات تصب في مصالح رجال الأعمال بدلاً من مصلحة عامة الشعب.

وأخيرًا، يناقش فيليبس العواقب الاجتماعية والاقتصادية لتركيز الثروة، موضحًا كيف يخلق هذا التفاوت بيئة من عدم المساواة تؤثر على جوانب عديدة مثل التعليم والرعاية الصحية. ويؤكد علي أن “عدم المساواة فى الثروة يزيد من التوترات الاجتماعية” ويخلق حواجز أمام العديد من الأمريكيين لتحقيق الحلم الأمريكي4. ويرى الكاتب أن الفجوة الاقتصادية المتزايدة تشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الديمقراطية الأمريكية.

في الختام، يقدم كتاب “الثروة والديمقراطية” تحليلًا شاملاً لكيفية ارتباط الثروة والسلطة السياسية عبر التاريخ الأمريكي.  ويرى فيليبس أن تركيز الثروة المتزايد يهدد القيم الديمقراطية والاستقرار السياسي، محذرًا من أن الولايات المتحدة قد تواجه مزيدًا من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية إذا لم يتم إصلاح النظام. ومن خلال رؤاه التاريخية ووجهة نظره النقدية، يحث فيليبس القراء على إدراك المخاطر التي يشكلها التفاوت الكبير في الثروة وتأثير ذلك على الديمقراطية.

تقييم كتاب الثروة والديمقراطية لكيفن فيليبس

كتاب “الثروة والديمقراطية” هو محاولة طموحة لتحليل العلاقة بين الثروة والسياسة في الولايات المتحدة، مع التركيز بشكل خاص على كيفية تأثير تركز الثروة في تقويض المبادئ الديمقراطية. يسعى فيليبس إلى تسليط الضوء على زيادة الفجوة الاقتصادية والعواقب السياسية لمجتمع أصبح يتحكم فيه الأغنياء بشكل متزايد.

تحقيق هدف الكتاب

ينجح فيليبس إلى حد كبير في تحقيق هدفه المتمثل في إبراز المخاطر التي يشكلها تركز الثروة على الديمقراطية الأمريكية. يقدم الكتاب تحليلًا تاريخيًا عميقًا، حيث يستعرض فيه كيف أثرت الثروة على السياسة الأمريكية منذ تأسيس البلاد وحتى العصر الحديث. ويناقش فيليبس بشكل مقنع كيف أن الأغنياء استخدموا تأثيرهم بشكل مستمر لتعميق سلطتهم، في كثير من الأحيان على حساب المشاركة الديمقراطية الأوسع. كما يضيف استعراضه التفصيلي للفترات التاريخية المختلفة، مثل العصر المذهب وصعود قوة الشركات الكبرى، قوة إلى حجته بأن الديمقراطية الأمريكية مهددة بسبب تركز الثروة.

الاحتمالات التي يقترحها الكتاب

من بين الاحتمالات التي يطرحها كتاب “الثروة والديمقراطية” هو إمكانية إصلاح النظام السياسي الأمريكي لمعالجة هذا التفاوت في الثروة. وذلك من خلال توضيح كيف أن القوة الاقتصادية أصبحت عقبة أمام الديمقراطية الحقيقية. يشير فيليبس إلى أن السياسات التي تهدف إلى تقليص الفجوة في الثروة، مثل فرض الضرائب التصاعدية أو إصلاح طرق تمويل الحملات الانتخابية، قد تعيد النظام السياسي إلى توازنه. كما يقترح أنه إذا أصبح الجمهور الأمريكي أكثر وعيًا بتبعات تركيز الثروة، فقد يحدث المزيد من النشاط السياسي والمقاومة ضد سيطرة النخبة على النظام.

ما لم يتناوله الكتاب

على الرغم من أن فيليبس يقدم تحليلًا تاريخيًا شاملاً للثروة والديمقراطية، فإن هناك مجالات لم يتناولها الكاتب بشكل كافٍ. على سبيل المثال، يركز فيليبس بشكل كبير على تأثير الأفراد الأثرياء والشركات، لكنه لا يتعمق بما فيه الكفاية إلي الدور المحتمل للاقتصاد العالمي والمؤسسات المالية الدولية في تشكيل السياسة الأمريكية. لقد أصبحت التجارة العالمية، والشركات المتعددة الجنسيات، وطرق التمويل في الاقتصاد من العوامل الرئيسية في تركيز الثروة في العقود الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، أنه في حين أن الكاتب ينتقد تأثير الأغنياء على القرارات السياسية، فإنه لا يناقش بشكل كافٍ الدور المحتمل للحركات الشعبية أو النماذج الديمقراطية البديلة التي قد تستطيع العمل على موازنة نفوذ النخبة الثرية.

مقارنة مع كتب أخرى في نفس الموضوع

يمتاز كتاب “الثروة والديمقراطية” بتركيزه التاريخي الشامل. في حين أن كتبًا أخرى مثل “رأس المال في القرن الواحد والعشرين” لتوماس بيكيتي5 تركز على الديناميكيات الاقتصادية لعدم المساواة في الثروة، فإن كتاب فيليبس يقدم مزيجًا فريدًا من التاريخ السياسي والنقد. كذلك يختلف كتابه عن الأعمال الأخرى مثل “الجيم كرو الجديد” لميشيل ألكسندر6، الذي يستعرض قضايا التفاوت القائم علي التمييز العنصرى والنظام السياسي بشكل عميق، مما يجعل كتاب “الثروة والديمقراطية” يبدو عملٌ يركز بشكلٍ أضيق على الثروة دون أن يتناول بشكل كافٍ تقاطع التمييز العنصرى والطبقة الإجتماعية مع الديمقراطية.

نقاط غير مقنعة

بعض جوانب حجة فيليبس ليست مقنعة تمامًا. على الرغم من أنه يقدم قضية قوية بشأن كيفية تأثير الثروة على القرارات السياسية، إلا أن معالجته للتاريخ الأمريكي في بعض الأحيان تُبسط العلاقات المعقدة. على سبيل المثال، قد تُعطي معالجتة للعصر المذهب انطباعًا بأن التفاوت في الثروة كان العامل الوحيد المسؤول عن الفساد السياسي، دون التطرق بشكل كافٍ لتأثير عوامل أخرى مثل التمييز العنصرى، والمهاجرين الجدد، أو الحركات العمالية في تلك الفترة. أضف إلى ذلك، إنه بينما ينتقد فيليبس التأثير السياسي للشركات والأثرياء، فإنه لا يناقش بشكل كافٍ إمكانية أن بعض تركيز الثروة قد يكون جزءًا لا يتجزأ من النظام الرأسمالي نفسه.

التجارب الشخصية المتعلقة بالموضوع

من وجهة نظر شخصية، يتناغم كتاب “الثروة والديمقراطية” مع التجارب التى شهدت التفاوت المتزايد في الثروة في المجتمع المعاصر. على سبيل المثال، يُعتبر تأثير أموال الشركات في السياسة قضية واضحة، خاصة بعد قرار المحكمة العليا في 2010 بشأن قضية إتحاد المواطنين”7 (Citizen United)، الذي سمحت بالإنفاق الغير محدود من قبل الشركات في الحملات الانتخابية. يعزز هذا القرار حجة فيليبس حول كيفية تأثير الثروة على العملية الديمقراطية، ويبرز أهمية تحليله للمناخ السياسي الحالي. علاوة على ذلك، يناقش الكتاب الصعوبات التي يواجهها المواطنون العاديون للمشاركة في نظام سياسي يهيمن عليه الأثرياء. وقد كان هذا واضحًا في التجارب الشخصية للعديد من المواطنين، حيث غالبًا ما تتحول الامتيازات الاقتصادية إلى قوة سياسية أكبر، سواء من خلال التبرع للحملات الانتخابية، أو جماعات الضغط على صناع القرار السياسى. 

الخلاصة

بشكل عام، يعد كتاب “الثروة والديمقراطية” عملًا مقنعًا ومثيرًا للتفكير يبرز بنجاح مخاطر التفاوت الكبير في الثروة في الولايات المتحدة. يحقق فيليبس هدفه في إظهار كيف أن تركيز الثروة يهدد المبادئ الديمقراطية، ويوفر تحليلاً تاريخيًا مهمًا حول الهياكل السياسية والاقتصادية التي تكرس عدم المساواة. ومع ذلك، كان يمكن للكاتب أن يستفيد من استكشاف أعمق للقوى العالمية وتأثيرها علي السياسة الأمريكية. على الرغم من هذه الثغرات، يظل كتاب “الثروة والديمقراطية” مساهمة هامة في الحوار حول الثروة والسلطة في أمريكا، ويقدم منظورًا قيمًا لأي شخص مهتم بمستقبل الديمقراطية والمساواة في الولايات المتحدة.

المراجع

.1 العصر المذهب (Gilded Age) : تعبير يستخدم للإشارة إلي الفترة الممتدة من أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر إلي أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، ووقعت هذه الفترة بين عصر إعادة الإعمار وعصر التقدم.

.2 الضوابط والتوازنات (Check and Balances): للتأكد من عدم سيادة أحد السلطتين على الأخرى، تطبق الحكومة نظامًا يسمى “الضوابط والتوازنات”. ومن خلال هذا النظام، تُمنح كل سلطة القدرة علي مراقبة السلطتين الأخريين. على سبيل المثال، يتمتع رئيس الجمهورية بسلطة الاعتراض على مشروع قانون يرسله الكونجرس، مما قد يحول بينه وبين أن يصبح قانونًا.

.3 بلوتوقراطية(Plutocracy) : حكم الأثرياء هي أحد أشكال الحكم تكون فيها الطبقة الحاكمة مميزة بالثراء.

.4 الحلم الأمريكى (The American Dream): عبارة تشير إلى الأعتقاد العام لدى المواطن الأمريكي، بأن كل مواطن أمريكي لديه الحرية والفرصة للنجاح والحصول على حياة أفضل. وقد روج جيمس تروسلو آدامز هذه العبارة أثناء الكساد الكبيرفي عام 1931، وقد اكتسبت معاني مختلفة بمرور الزمن. ففي الأصل، كانت تعني التمتع بالديمقراطية والحرية والمساواة، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت تعني تحقيق الثروة المادية والتحرك الاجتماعي.

.5 كتاب “رأس المال فى القرن الواحد والعشرين”: تأليف توماس بيكيتى. كتاب ألفه الخبير الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، يركز على التفاوت في الثروة والدخل في أوروبا والولايات المتحدة منذ القرن الثامن عشر.(Capital in the Twenty-First Century by Thomas Piketty:)

.6 كتاب “الجيم كرو الجديد”، تأليف ميشيل ألكسندر:  كتاب يناقش القضايا المتعلقة بالتفرقة العنصرية والتي تخص الذكور الأمريكيين من أصل أفريقي والسجن الجماعي لهم في الولايات المتحدة، فضلاً عن الأقليات الأخرى والفئات المحرومة اجتماعياً واقتصادياً.  (The New Jim Crow by Michelle Alexander)

.7 إتحاد المواطنين (Citizen United):  قرار تاريخي أصدرته المحكمة العليا للولايات المتحدة بشأن قوانين تمويل الحملات الانتخابية وحرية التعبير بموجب التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة. في هذه القضية، قضت المحكمة العليا بأن أي قوانين تحاول تقييد الإنفاق السياسي للشركات والنقابات تعد انتهاكًا لحق حرية التعبير المنصوص عليه في التعديل الأول. وقد أثر هذا بشكل كبير على قوانين تمويل الحملات الانتخابية.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك