مُلخصٌ فى ثوانٍ: العلماء عازمون على التغلب على التحديات المقبلة، والابتكارات في تقنية الدفع تبدو حتمية. في الوقت الحالي، يثبت هذا الاكتشاف الجديد شيئًا واحدًا: البشرية أصبحت رسميًا على طريق استكشاف الفضاء بين النجوم.
تخيل أنك تركب سفينة فضاء وتسافر إلى نظام نجمي آخر في غضون أسابيع فقط. قد يبدو هذا كأنه خيال علمي من مسلسل ستار تريك، لكن العلماء ربما يكونون قد اتخذوا خطوة حقيقية نحو تحقيق هذا الحلم.
فمنذ عام 1966، أظهر مسلسل ستار تريك سفنًا فضائية مثل يو إس إس إنتربرايز وهي تسافر بسرعات تتجاوز سرعة الضوء باستخدام تقنية خيالية تُعرف بـ”الدفع بالفقاعة”. ألهمت هذه الفكرة الفيزيائي المكسيكي ميغيل ألكوبيير لاستكشاف إمكانية تحقيق هذه التقنية على أرض الواقع. وفي عام 1994، اقترح هذا العالم فكرة ثورية: محرك يمكنه تمديد وضغط الزمكان* (للسماح لسفينة فضاء بالسفر بسرعة تزيد عن سرعة الضوء—دون انتهاك قوانين الفيزياء.
اقترح ألكوبيير إنشاء “فقاعة دفع” تضغط الزمكان أمام السفينة وتتمدد خلفها. ويمكن أن يسمح هذا للسفينة بالسفر لمسافات هائلة دون أن يشعر الركاب بقوى التسارع. ولكن هناك مشكلة كبيرة: تصميم هذه الفقاعة يتطلب وجود “طاقة سلبية”، وهي نوع غريب من المادة التي لا يعرف العلماء إن كانت موجودة أصلاً.
نهج جديد
الآن، تعتقد مجموعة بحثية من مؤسسة أبلايد فيزيكس، وهي مؤسسة أبحاث في مدينة نيويورك، أنها وجدت طريقة لجعل تقنية الدفع تعمل دون الاعتماد على الطاقة السلبية. فقد اقترحوا، بدلاً من ذلك، استخدام “الطاقة الإيجابية”، التي تتوافق مع القوانين الفيزيائية المعروفة.
نشر كل من جياني مارتيري، المدير التنفيذي لمؤسسة أبلايد فيزيكس، وجاريد فوشس، أحد كبار العلماء، نتائج بحثهم في مجلة علمية تُدعى كلاسيكال آند كوانتوم جرافيتي. ويقدم بحثهم نوعًا جديدًا من فقاعات الدفع التي تستخدم مادة عادية شديدة الكثافة. هذه الفقاعة، ستستخدم الجاذبية لدفع السفينة بسرعات هائلة، لكن الركاب داخلها لن يشعروا بأي اهتزازات أو صدمات. وقد شبه جياني مارتيري التجربة بركوب مصعد هادئ.
طوّر الباحثون أداة تُسمى مصنع الفقاعات، وهو برنامج يحاكي كيفية عمل تقنيات الدفع عن طريق حل معادلات أينشتاين. وقد جعلوا هذا البرنامج متاحًا مجانًا للجميع لتجربته.
أظهر نموذجهم الجديد أن شكل الفقاعة له أهمية كبيرة. على سبيل المثال، كلما كانت الفقاعة أكثر انبساطًا في اتجاه السفر، قلت الطاقة المطلوبة. وباستخدام أدواتهم، أنشأوا أول نموذج عام لتقنية دفع تعمل بالطاقة الإيجابية.
التحديات التي تنتظر الحل
رغم أن هذه التقنية الجديدة مثيرة، فإنها لا تزال بعيدة عن أن تكون جاهزة للاستخدام. النموذج الحالي يعمل بسرعات أقل من سرعة الضوء ويتطلب كمية هائلة من المادة—ما يعادل تقريبًا كتلة كوكبين مثل كوكب المشتري. حاليًا، لا يعرف العلماء من أين يمكن الحصول على مثل هذه الكمية الضخمة من المادة.
تحدٍ آخر هو كيفية التحكم في الفقاعة نفسها. يجب إدارة الفقاعة بدقة لضمان أن الوقت داخلها يتماشى مع الهدف المتجهين إلية. وإذا لم يتم ذلك، فقد لا يصل المسافرون فى الميعاد إلى اهدافهم فى النجوم البعيدة! أيضًا، يمكن أن تتشوه الاتصالات بين السفينة والأرض أثناء مرورها عبر الزمكان المشوه.
حتى مع هذه التحديات، يُعتبر النموذج الجديد تقدمًا كبيرًا مقارنة بالتقنيات الحالية. على سبيل المثال، تستغرق أسرع مركبة فضائية لدينا اليوم، فوييجر 1، حوالي 75,000 سنة للوصول إلى “ألفا سنتوري**“، وهو أقرب نظام نجمي للمجموعة الشمسية. ولكن استخدام تقنية دفع بسرعة تصل لنصف سرعة الضوء، يمكن إنجاز نفس الرحلة في تسع سنوات فقط.
الطريق إلى الأمام
لا تزال هناك أسئلة كثيرة، مثل كيفية بدء وإيقاف الدفع، وكيفية التعامل مع الطاقة الهائلة المطلوبة. لكن الباحثين متفائلون. يقارن مارتيري المرحلة الحالية لتقنية الدفع بمرحلة السيارات في الثمانينيات من القرن التاسع عشر—عندما كان الناس يعلمون أن السيارات ممكنة، لكن تصنيعها كان لا يزال صعبًا للغاية.
مع هذا الإنجاز العلمى، تتخذ البشرية أول خطوة نحو السفر بين النجوم. حتى لو لم نصل إلى سرعة الضوء بعد، فإن هذه التقنية الجديدة تقربنا من استكشاف النجوم أكثر من أي وقت مضى. وكما قال مارتيري: “ليس لدينا محرك حتى الآن، لكننا نرى الضوء في نهاية النفق.”
* الزمكان: بالإنجليزية (Spacetime)، هو دمج لمفهومى الزمان والمكان. ويعرف أحياناً بالزمان-مكان أو الزمان المكانى.
** ألفا سنتوري: بالإنجليزية (Alpha Centauri)، هو أقرب نظام نجمى للمجموعة الشمسية، ويبعد عنها بحوالى 4,33 سنة ضوئية. ويعرف أيضاً ب “نَيًر قنطورس” أو “ألفا قنطورس”.
المصدر
Wagh, Manasee. “A Groundbreaking Scientific Discovery Just Gave Humanity the Keys to Interstellar Travel.” Popular Mechanics, 29 May 2024,https://www.popularmechanics.com/science/a60941082/light-speed-warp-drive-breakthrough/